-29%

مؤسس قوات الفرق (سالم بن مبارك المعشني) حياةٌ قصيرة وأثر عظيم

أحمد بن علي بن مبارك المعشني

السعر الأصلي هو: $7.00.السعر الحالي هو: $5.00.

لقد اطمأنّت نفسي حين اِرتسمت لي كلّ فصول حياة الرجل، وحين وقفتُ على كلّ واردة وشاردة في حياته، وأدركتُ أناسا عايشوا عهده، ومازالوا على قيد الحياة وحاولت استنطاقهم حول كل ما يتصل بسيرة المرحوم سالم بن مبارك المعشني، كما طاوعني قلمي حين ألزمت مداده بأن يسكب حبره في صفات تبرز معالم رجل كان ذات يوم هنا وهناك، وقد وطئت أقدامه سهولا وجبالا، وقال ما قال في مناسبات ولقاءات، بل وأنجز ما أنجز في حدود إمكاناته دون تهاون.

ذاك ما استخلصته وأنا أمحّص ما قيل في شأنه من قبل أقرانه وأصحابه، ومن سائر الذين عاصروا عهده، كما أَرْعَيْتُ سمعي لكلّ كلمة عن حياته، وغربلتُ بعضها عن بعض، واِنتقيت أصحَّهَا وأكثرَها صِدقا، فكانت كلّها المعينَ الذي عوّلتُ عليه، والوردَ الذي أدْلوتُ فيه دَلْوي إيمانا مني بأّن هناك مَنْ هُمْ عطشى لمثل هذا النّبْشِ في سيرة رجال مثل سيرة المرحوم، وقد آثرت أن أضعها بين أيدي القرّاء علّهم يستأنسون بها، وينسجون على منوالها سِيَــرًا أخرى لأُناس هم جديرون بالاحترامِ أمواتا وأحياء.

المؤلف…

عرض السلة

الوصف

مؤسّس قوات الفرق سالم بن مبارك الْمعشني… – رحمه الله تعالى – حياةٌ قصيرةٌ وأثرٌ عظيمٌ .

تأليف وإعداد : أحمد بن علي بن مبارك المْعشني

هذا الكتاب: 

راودتني أسئلة كثيرة حين همَمْتُ بكتابة سيرة رجل عاش على أديم أرض تداخلت فيها أحداث، وفعلت فعلها في تشكيل نهضة وطن، وفي نحت شخصيّة أُناس على غرار سالم بن مبارك المعشني الذي أسهم بأعمال دفعتني دفعا لإبرازها إلى كلّ من يرنو إلى الاحتذاء بها نظرا لِغِنىَ فصولها وأطوارها… فكانت الدافع الذي أوغل فيّ حبّ توثيقها لاسيّما بعد أن تتبّعت سيرَ خطوطها، وحاولتُ جاهدا اِستنطاق كلّ من عايش عهده، وعرفه عن قرب، كما نبشت بعض الوثائق لأظفر بما يعينني على إكمال المشهد صورة ونسجا، كتابة وتوثيقا.

لقد اطمأنّت نفسي حين اِرتسمت لي كلّ فصول حياة الرجل، وحين وقفتُ على كلّ واردة وشاردة في حياته، وأدركتُ أناسا عايشوا عهده، ومازالوا على قيد الحياة وحاولت استنطاقهم حول كل ما يتصل بسيرة المرحوم سالم بن مبارك المعشني، كما طاوعني قلمي حين ألزمت مداده بأن يسكب حبره في صفات تبرز معالم رجل كان ذات يوم هنا وهناك، وقد وطئت أقدامه سهولا وجبالا، وقال ما قال في مناسبات ولقاءات، بل وأنجز ما أنجز في حدود إمكاناته دون تهاون.

ذاك ما استخلصته وأنا أمحّص ما قيل في شأنه من قبل أقرانه وأصحابه، ومن سائر الذين عاصروا عهده، كما أَرْعَيْتُ سمعي لكلّ كلمة عن حياته، وغربلتُ بعضها عن بعض، واِنتقيت أصحَّهَا وأكثرَها صِدقا، فكانت كلّها المعينَ الذي عوّلتُ عليه، والوردَ الذي أدْلوتُ فيه دَلْوي إيمانا مني بأّن هناك مَنْ هُمْ عطشى لمثل هذا النّبْشِ في سيرة رجال مثل سيرة المرحوم، وقد آثرت أن أضعها بين أيدي القرّاء علّهم يستأنسون بها، وينسجون على منوالها سِيَــرًا أخرى لأُناس هم جديرون بالاحترامِ أمواتا وأحياء.

رُغم حداثة سنّي، وعدم مُعَايشتِي لحياةِ الرّجل المذكور، إلا أنّ شغفي بسماع الْمَحْكِيات وما تمثّله من مخزون تراثي مهمّ في تاريخ الأوطان والرّجال، جعلني منقادا لكتابة أحرف لابدّ من تثبيتها تدوينا، ولا بدّ من رسمها على جبين كلّ الصّالحين الذِي يهفون إلى بناء الأوطان، ولا يبالون بكل المشاقّ والصّعوبات، كما كانَ عليه المرحوم بإذن الله من صفات تأبى النّسيان أو الاندثارَ.

فبعد أن تراءت لي الثّنايا واضحةً ، وبعد أن سلكتُ مسالكَ عدّة، وأنا أجمع أخباره ،أمسكتُ بخيوط مُهِمَّة جعلتني واثقا من أن أنسج بها رداء سميكا بمقدور كلّ إنسان أن يتدثّر به وأن يقيَ نفسه من كلّ حرّ وقرّ، واِنصرفتُ إلى ما ينصرف إليه كلّ باحث في التّنقيب والتّهذيب والتّرتيب والتّبويب ، تَحْدُونِي رغبةٌ جامحة في إخراج هذه السّيرة على الوجه الأكمل بضوابط صارمة من حيثُ صدقُ الْمسموع ، وصحّةُ الْمكتوب ، ودقّةُ الأحداثِ ، ناهيك عن سلامةِ السّبكِ ، وخلوِّ الْمعاني من الإخلال والإطناب مُتَّبِعا نهجَ الْكُتّاب في تأليفهم للكُتب ، ومُقتديًّا بمنهجيّة الكتابة والتأليف السّليميْنِ ، وممَّا زاد في تحفيزي تشجيعُ كُثر ٍلِي حينَ أفصحتُ عن مقصدي ، وعبّرت عن رغبتي في تأليف كُتيِّب يُعْنَى بسيرة المخلص لوطنه سالم بن مبارك المعشني النّيّرة التي كانت شُعاعَ نور في فترة من الفترات… كما كانت طُرّةً يبدأ منها كلّ من تاقت نفسه إلى إكمال مسيرة العمل الصّالح.

معلومات إضافية

الرقم الدولي

97897778332987

نوع الغلاف

غلاف سلوفان 350 جرام فاخر

جهة الإيداع

الهيئة المصرية العامة للكتاب

رقم الطبعة

الطبعة الأولى

مقاس الكتاب

الحجم القياسي 17 سم في 24 سم

عدد الصفحات

قرابة 120 صفحة

المؤلف

أحمد بن علي المعشني

أحمد بن علي بن مبارك المعشني

المراجعات

لا توجد مراجعات بعد.


كن أول من يقيم “مؤسس قوات الفرق (سالم بن مبارك المعشني) حياةٌ قصيرة وأثر عظيم”

1 2 3 4 5

1 2 3 4 5

  • تصدير
  • شكر وثناء
  • التوطئة
  • من هو سالم مبارك المعشني؟
  • سالم مبارك المعشني ومنظّمة الجنود الظّفاريّين
  • منظمة الجنود الظفاريّين
  • العوامل الدّاخليّة
  • العوامل الخارجية
  • خُفوتُ النّزاعات الخارجيّة ونموُّها داخليّا
  • المرحوم سالم بن مبارك المعشني وواقع الإغواء الاِشتراكي الثّوريّ
  • سالم مبارك اْلمعشني والصّراع الثّوري
  • سالم مبارك الْمعشني واِندلاع الثّورة في ظفار
  • جبهة تحرير ظفار: بين ساحة الثّورة وساحة الْقتال
  • تأسيسُ جبهة تحرير ظفار
  • نكسة حزيران 1967 والتّجذير الْيساري لجبهة تحرير ظفار
  • مؤتمر أهليش وحركة التمرّد داخل جبهة تحرير ظفار
  • بذورُ الفكر الماركسيّ وثورةُ ظفار
  • نجاحات وانتكاسات
  • تصدَعُ الجبهة وبداية الانشقاق بعد مؤتمر حمرير
  • موجة الإعدامات وبداية الْهزيمة
  • وصول صاحب الجلالة السلطان قابوس إلى السلطة
  • صدى خطاب الْعفو لجلالة السّلطان قابوس على جبهة تحرير ظفار وعلى ثوارها
  • المرحوم سالم بن مبارك المعشني ومرحلة الحسم مع جبهة تحرير ظفار
  • الحركة الانقسامية ودور المرحوم سالم بن مبارك في إذكائها
  • جدار الصدّ ومنطقة الحزام الآمن
  • سالم بن مبارك المعشني واجتماع الصلح بوادي دربات
  • كسر الفُرقة وتأسيس الفِرقة
  • الولاء لصاحب الجلالة
  • توني جيبز ولقاؤه الحاسم بالمرحوم سالم بن مبارك المعشني
  • تأسيس فرقة صلاح الدين الأيوبي (باكورة الفرق الوطنية)
  • شعار فرقة صلاح الدين
  • المرحوم سالم بن مبارك المعشني والتّوجّه إلى مرباط
  • تحرير المدن من سيطرة ثوار الجبهة
  • تحرير سدح من قبضة الثوار
  • أثر خطاب المرحوم سالم بن مبارك المعشني في أهالي سدح
  • أدوار المرحوم سالم بن مبارك المعشني
  • وفاة سالم بن مبارك
  • علاقة المرحوم بجلالة السلطان قابوس حفظه الله ورعاه
  • علاقة المرحوم بالشيخ عيسى بن أحمد المعشني (رحمه الله تعالى)
  • إسهاماتُ المرحوم سالم مبارك المعشني
  • إشادات بشخصية المرحوم سالم بن مبارك المعشني

تقديم :

لا يسعني في هذا المقام إلاَّ أن أُقدِّم خالص عبارات الامتنان لكلّ من ساعدني على إنجاز هذا البحث وكُلّ منْ كان له الفضل في إلهامي وحثّي على المُضيّ قُدمًا في ذلك، ولاأستثني أحدا سواء أكانوا أصدقاء أو مقرّبين أو كُتَّاباً و مُثقفين، غير غافل ٍفي هذا السياق عن شهادات الجنرال البريطاني توني جيبز) Tony jeaps) الذي أفاض الحديث في كتابه و محاضراته عما شهدَتْهُ عُمانُ في فترتيْ الستّينيات والسبعينات من القرن الماضي، وأخصُّ بالذّكْرِ ههنا الصّفحات التي أشاد فيها بما قام به سالم مبارك المعشني إبَّانَ مطْلع السّبعينيات …

كما إنِّي أتوجّه بخالص التقدير أيضا إلى بعض ٍمن الذّين عاصروه فلم يبخلوا عليّ بشهاداتهم حيث كانوا لي نعم السّند والمعين حين طَفِقْتُ أُسائِلَهُمْ عن تفاصيل لمْ يَظنُّوا عَليّ بها، وإنّي لأعتَّزُّ كثيرًا بتدوين ماذكروا منْ شهادات كما وردت على لسان من تَحدّث دون زيادة أو نقصان. فكلّ الشُّكر للّذين أسْهموا بشكل مباشر أوغيْر مباشر في مساعدتي على إنجاز هذا العمل المتواضع.

وإنّي لَعلَى يقينٍ تامٍّ، بعد أن اسْتمعتُ مليًّا إلى شهادات أولئك الشُّهود الّذين عاشوا مع المرحوم، أنّه كان بالفعل رجُلا يستَحقُّ الكثير من الاحترام والتقدير، ولاأدلَّ على ذلك من أنَّ المُؤرّخين الّذين كتبوا عن الحرب في ظفار قد أتوْا على نضالاته ومُنجزاته، فمًا عثًرْتُ على كتاب من الكتب التي قرأتها إلاّ وقدْ ذُكِرَ فيها سالم مبارك وأُفْرِدَتْ مقاطع أو صفحات تُهيب بدوره في الدّفَاعِ عن وَطَنِه.

راودتني أسئلة كثيرة حين همَمْتُ بكتابة سيرة رجل عاش على أديم أرض تداخلت فيها أحداث، وفعلت فعلها في تشكيل نهضة وطن، وفي نحت شخصيّة أُناس على غرار سالم بن مبارك المعشني الذي أسهم بأعمال دفعتني دفعا لإبرازها إلى كلّ من يرنو إلى الاحتذاء بها نظرا لِغِنىَ فصولها وأطوارها… فكانت الدافع الذي أوغل فيّ حبّ توثيقها لاسيّما بعد أن تتبّعت سيرَ خطوطها، وحاولتُ جاهدا اِستنطاق كلّ من عايش عهده، وعرفه عن قرب، كما نبشت بعض الوثائق لأظفر بما يعينني على إكمال المشهد صورة ونسجا، كتابة وتوثيقا.

لقد اطمأنّت نفسي حين اِرتسمت لي كلّ فصول حياة الرجل، وحين وقفتُ على كلّ واردة وشاردة في حياته، وأدركتُ أناسا عايشوا عهده، ومازالوا على قيد الحياة وحاولت استنطاقهم حول كل ما يتصل بسيرة المرحوم سالم بن مبارك المعشني، كما طاوعني قلمي حين ألزمت مداده بأن يسكب حبره في صفات تبرز معالم رجل كان ذات يوم هنا وهناك، وقد وطئت أقدامه سهولا وجبالا، وقال ما قال في مناسبات ولقاءات، بل وأنجز ما أنجز في حدود إمكاناته دون تهاون.

ذاك ما استخلصته وأنا أمحّص ما قيل في شأنه من قبل أقرانه وأصحابه، ومن سائر الذين عاصروا عهده، كما أَرْعَيْتُ سمعي لكلّ كلمة عن حياته، وغربلتُ بعضها عن بعض، واِنتقيت أصحَّهَا وأكثرَها صِدقا، فكانت كلّها المعينَ الذي عوّلتُ عليه، والوردَ الذي أدْلوتُ فيه دَلْوي إيمانا مني بأّن هناك مَنْ هُمْ عطشى لمثل هذا النّبْشِ في سيرة رجال مثل سيرة المرحوم، وقد آثرت أن أضعها بين أيدي القرّاء علّهم يستأنسون بها، وينسجون على منوالها سِيَــرًا أخرى لأُناس هم جديرون بالاحترامِ أمواتا وأحياء.

رُغم حداثة سنّي، وعدم مُعَايشتِي لحياةِ الرّجل المذكور، إلا أنّ شغفي بسماع الْمَحْكِيات وما تمثّله من مخزون تراثي مهمّ في تاريخ الأوطان والرّجال، جعلني منقادا لكتابة أحرف لابدّ من تثبيتها تدوينا، ولا بدّ من رسمها على جبين كلّ الصّالحين الذِي يهفون إلى بناء الأوطان، ولا يبالون بكل المشاقّ والصّعوبات، كما كانَ عليه المرحوم بإذن الله من صفات تأبى النّسيان أو الاندثارَ.
فبعد أن تراءت لي الثّنايا واضحةً ، وبعد أن سلكتُ مسالكَ عدّة، وأنا أجمع أخباره ،أمسكتُ بخيوط مُهِمَّة جعلتني واثقا من أن أنسج بها رداء سميكا بمقدور كلّ إنسان أن يتدثّر به وأن يقيَ نفسه من كلّ حرّ وقرّ، واِنصرفتُ إلى ما ينصرف إليه كلّ باحث في التّنقيب والتّهذيب والتّرتيب والتّبويب ، تَحْدُونِي رغبةٌ جامحة في إخراج هذه السّيرة على الوجه الأكمل بضوابط صارمة من حيثُ صدقُ الْمسموع ، وصحّةُ الْمكتوب ، ودقّةُ الأحداثِ ، ناهيك عن سلامةِ السّبكِ ، وخلوِّ الْمعاني من الإخلال والإطناب مُتَّبِعا نهجَ الْكُتّاب في تأليفهم للكُتب ، ومُقتديًّا بمنهجيّة الكتابة والتأليف السّليميْنِ ، وممَّا زاد في تحفيزي تشجيعُ كُثر ٍلِي حينَ أفصحتُ عن مقصدي ، وعبّرت عن رغبتي في تأليف كُتيِّب يُعْنَى بسيرة المخلص لوطنه سالم بن مبارك المعشني النّيّرة التي كانت شُعاعَ نور في فترة من الفترات… كما كانت طُرّةً يبدأ منها كلّ من تاقت نفسه إلى إكمال مسيرة العمل الصّالح.

 

من هو سالم بن مبارك المعشني (نشأته):

وُلد المرحوم سالم بن مبارك المعشني سنة ألف وتسعمائة وأربع وثلاثين للميلاد تقديرا لا يقينا، حيث لم تكن في الْفترة التي ولد فيها مؤسّسات تُعنى بتسجيل المواليد وتوثيق تواريخ ميلادهم في ظلّ الغياب الكامل لأّسسِ الدّولة الحديثة، إذ كان العهد غير الذِي نعيش في ظلاله نموّا وازدهارا ونهضة. نشأ إبن مبارك في ربوع جبال مدينة الحقّ الواقعة في محافظة ظفار جنوب سلطنة عمان ، وتحديداً في قرية تعرف باسم (ذو العيون) في عائلة معروفة،فوالده مبارك كان رجلاً صالحاً ذا مال وجاه ،وكان رحمه الله يعطي الصدقات وينفق في وجوه الخير،مما أدى ذلك إلى كثرة معارفه وأصدقائه من كل نواحي ظفار ومناطقها ريفاً ومدناً وبادية، كان سالم يحب الشجار والصراع والتحدي والقيادة ورغم ذلك نهل رحمه الله منذ طفولته من حلقات دروس القرآن الكريم وممّا كان متاحا فيها من علوم وكان محظوظا مقارنة بأقرانه الذين حالت الدّروب الصّعبة بالمنطقة دون تحصيلهم لجانب من المعارف. وهكذا شبّ الْمرحوم على طلب العلم وَصقل مواهبه، فنشأ نشأة قويمة، متشبّثا بعادات مجتمعه وتقاليده معتزًّا بها كثيرا، إذ يعرف عنه أنّه كان شغوفا بحبّ وطنه وأرض أجداده وكثيرا ما كان يَصدح بذلك الحبِّ الجارفِ أحاسيسَ ومشاعر للوطنِ وأهله.

سفره إلى الخارج:

بعد وفاة والده في سن مبكر وتحمله أعباء الأسرة والمسؤولية الكبيرة التي خلفها والده من الحيوانات والممتلكات والعلاقات مع الكثير من القبائل والشخصيات الهامة في ظفار وبعد أن بلغ سالم مرحلة الشباب وتبلورت في ذهنه سبلُ تطوير قدراته وتحقيق طموحاته وفي عام 1955م تقريباً إستأذن أخاه في السّفر إلى دول الخليج التي بدأت تستقطب المهاجرين لاسيّما بعدَ اكتشاف الثّروة النّفطيّة، ولعلّ سفره آنذاك مردّه صعوبة إيجاد فرص لتعلم والمعرفة والعمل الجاد فقد كان رحمه الله شغوفاً بالعمل العسكري وكان يحملُ آمالاً ورغبة أكيدة للالتحاق بالمجال العسكري في تلك الفترة التي كانت سمةَ ذلك العهد، حتّى أضحى السّفر سبيلا من سبل تأمين ما يطمح إليه، لاسيّما بعد أن تنامت ظاهرة الهجرة من ظفار إلى بلدان الْخليج العربي وتحديدا إلى الْكويت والبحرين وإلى السعودية، إذ اِستقطبت شركات النفط خاصة شركة أرامكو كثيرا من الْعمّال في تلك الفترة.
توجّه سالم بن مبارك المعشني بادئ ذي بَدْءٍ إلى الشّارقة حيثُ عمل في كتيبة ساحل عمان التي كانت تعرف ب( كشّافة ساحل عُمان ) والتي تولّت مهام إخماد ثورة الْجبل الأخضر عام 1958م ونبغ في التدريب والانضباط العسكري وحصل على الاهتمام من قبل قائد القوة وضباطها،وكان المرحوم في السريَّة التي أوكل إليها إخمادُ الثّورة وممّا يذكر في هذا المقام أنّه رحمه الله أشهر سلاحه في وجه عسكريّين بريطانيّين حين أرادوا الإمساكَ بأُسَرٍ كان أفرادها ضمن ثوّار الجبل الأخضرِ، ممّا حدا بالبريطانيين آنذاك إلى التراجع عن مطلب تسليم الأفرادِ وتنامى الخلاف بينه وبين البريطانيّين العسكريّين وتم إعتقاله( )،وأحيل على التحقيق في معسكر الشارقة بسبب عدم رغبته في استمرار حرب الجبل الأخضر،وحكم عليه بالإعدام ،وخلال فترة الإعتقال و في إنتظار عودة الممثل السامي البريطاني من مركز القيادة في البحرين لتنفيذ حكم الإعدام في حق سالم مبارك، تمكن رحمه الله من الإفلات من السجن بمساعدة رفاقه و من ثم يمَّم وجهته نحو قطر و انخرط في قوّةٍ سميت بقوةِ دفاعِ قطر عام1960م وتدرج في السلم الوظيفي حتى وصل إلى رتبة ملازم أول ،ثم سافر إلى كلٍّ من الكويت والعراق وعاد إلى قطر وحين أدرك تزايد عدد المهاجرين من عمان وتحديدا من ظفار تكفّل مع مجموعة من رفاقه بتأسيس (منظّمة الجنود الظفاريّين ) وهو تنظيم سرّي كانَ يُعنى بتأطير العمانيّين من أجل الثّورة على الوضع القائم آنذاك.

سالم بن مبارك ومنظمة الجنود الطفاريين: 

اِنخرط ابن مبارك رحمه الله منذ حداثة سنّه في منظمة الْجنود الظفاريّـيـن القادمين من ظفار تحديدا، السّاخطين على طبيعة الأوضاع التي كانت سائدة آنذاك، الذين كانوا يحلمون بحياة هنيئة ضمن واقع جغرافي ملائم وفق الإمكانات المتاحة …ولقد اُعتبرت منظّمة الجنود الظّفاريّين منظّمة مناوئة لحكم السلطان سعيد بن تيموررحمه الله، ولكنَّها ظلّت تفتقر إلى أفق سياسي واضح ولعّلَ ذلك ما يبرهن سرعة انضمام المرحوم إلى تنظيم آخر تبَلْوَرَ بوضوح بداية المعارضة الحقيقية.
إنّ من يطّلع على تاريخ اندلاع الحرب في ظفار يدرك تمام الإدراكِ أنَّ جميع من كانوا في منظّمة الجنود الظفاريّين كان لهم دور بارز في مجال الْقيادة العسكرية وفي التّدريب على حمل السلاح، كما تعودُ إليهم جلّ التّخطيطات الْعسكريّة التي سلكتْها جبهة تحرير ظفار في صِراعها مع قوّات السّلطان سعيد بن تيمور إبّان إعلانها فيما بعد الْكفاح المسلّح.
يُجمع كلّ من رافق المرحوم على أنّه كانَ شغوفا بالمجال الْعسكريّ وكما ذكرنا سابقا، بدليل أنّه أسهم في تدريب الْكثير ممّن اِلتحقوا بالجبهة العسكريّة، معتمدا على خبراته التي صقلها في كلٍّ من قطر والكويت والعراق وفي جمهوريّة الصّين الشّعبية، حتى أنّه أصبح يُشار إليه بالبنان في هذا المجال نظرا لمدى خبرته في فنون الْقتالِ ولتجربته التي اِكتسبها وصقلها مستفيدا من سائر التّدريبات التي تلقّاها.

منظمة الجنود الظفاريين: 

لم تكد تمض فترة على تكوين منظّمة الجنود الظفاريّين حتى تراءتْ للمنخرطين رؤية واضحة بفضل كفاءة المنضوين فيها ، حيث كانوا أصحاب كفاءات عسكرية لا تقلّ أهمّية عنْ تلك التي يتمتّع بها سائر العسكريين ، إلى جانب فئة من المثقّفين ممن هاجروا إلى دول الخليج العربي، فعقدوا الْعزم على تكوين نواة للمعارضة غايتها تحقيق الْعيش الكريم ومعالجة الوضع القائم، فأُعلن الكفاح المسلّح في 9 من شهر يونيو سنة 1965م ، وأصبح التّنظيم يحمل اِسم جبهة تحرير ظفار ولعلّ الأمرَ يحتّم علينا إدراك طبيعة الْمعطيات التي أسهمت في ظهور هذه الجبهة المعارضة لطبيعة الحكم آنذاك داخليّا وخارجيّا .

العوامل الداخلية:

تعدّدت الأسباب الدّاخليّة التي أدّت إلى قيام الثّورة في ظفار على حكم السّلطان سعيد بن تيمور، وكان من أهمّها حالة التّخلّف التي سادت سلطنةَ عمان بشكل عام وإقليم ظفار بشكل خاصٍّ، ناهيك عن كثرة الممنوعات والْمعاناة من ضّرائب السّلطان الباهظة التي أثقلت كاهل العمانيّين،إذ كانت عمان شبه معزولة عن الْعالم الخارجيّ والمحيط الإقليمي ، كما كانت تعاني من العزلة الداخليّة بين سائر مناطقها وبعد أن تعرّف المهاجرون الظفاريّون على أنماط المعيشة المختلفة في دول الخليج التي يعملون بها ، نما لديهم شعور جامح بضرورة التّغيير وساعدتْ كلّ هذه الْعوامل على اندلاع شرارةِ الثّورة في ظفار التِي عمل الظفاريون على إشعالها من خلال تشكيل تنظيمات سرّية متعدّدة كانت لها دوافع وانتماءات مختلفة، إذ كان بعضها قوميا عربيّا هدفه مقاومة الامبريالية البريطانية وتمثّل ذلكَ في التّنظيم المحلّي لحركة القوميّين الْعرب وكان هدف البعض تحسين الأوضاع الاجتماعية في عمان وتمثّل ذلك في الجمعية الخيرية الظفارية. أما المجموعة الثالثة فقد كان هدفها غير واضح، إذ كانت منخرطة في منظمة جنود ظفار وكانت تتكون من عناصر الجنود العمانيّين السّابقين ومن عناصر شرطة كانت تعمل في الإمارات السّاحلية (ساحل عمان) آنذاك.

العوامل الخارجية:

بعد أن أبرزنا العوامل الداخلية لقيام الثورة في ظفار،نستطيع أن نرجع العوامل الخارجية التي أسهمت في تأجيجِ بعض الصّراعات الداخلية إلى ظاهرة الصّراع الدولي النّاجمِ عن هيكلة النـظام الدولي وعلاقات القوة السائدة فيه، ذلك أنّ انهيار الثّنائية القطبيّة أدّى إلى بروزِ جوانب جديدة للصّراع الدولي على مستويات عديدة وأدّت هذهِ الوضعية الى فقدان أسبابِ الاستقرار ونشوءِ الصّراع في ظلِ ظهورِ القوّتين الْعظميين بعد أن أسهمت الحرب الباردة في إطار قيامها بإعادة تكييف كافة النزاعات الإقليمية وفقا لصراعها المركزيّ ، غير أنّ الأوضاع بعدَ الحرب العالمية الثانية تميزت بنموِّ الصّراعات بشكل عام مقارنة بالفترات السابقة ويمكن استخلاص العديد من الملاحظات حول طبيعة النزاعاتِ وأنواعها كتلك التي سادت الجزء الثاني من القرن العشرين والتي حصل أغلبها في العالم الثالث(آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاّتينيّة)مقارنة مع أوروبا حيثُ ميزان الرعب النووي بين القوّتين العُظميين و نظرًا لتوصّل أغلب الدول الأوربية إلى حلّ كثير من القضايا التي تشكل مصدرا للنّزاعات في العالم الثالث بشكل أو بآخر، بإرساءِ مفهوم الدولة، وتدعيم التنمية الاقتصادية وترسيخ الهُوية الوطنية إلخ…الأمر الذي ولّد ظاهرة نموّ النّزاعات الدّاخليّة.

خفوت النزاعات الخارجية ونموها داخلياً:

بعد اِنخفاض عدد الحروب والنزاعات المسلَحة التقليديّة بين الدول وخاصّة الحروب الاستعماريّة، ازداد التّدخّل الخارجيّ في النزاعات الدّاخلية بين الدول وصار مجمل أنواع التدخّل من النوع غير المباشر أو غير العلني، فمنذ السبعينيات من القرن الماضي انخفض عدد النزاعات المسلحة بين الدول مقارنة مع الفترات السابقة و ذلك كون سائر حروب التحرير الوطني من الاستعمار قامت في الخمسينيات والستينيات وكون جُلّ الدول التي شهدت الحروب الكبرى نالت استقلالها، فانتهت المشكلة الوطنية لتبدأ مشكلة بناء الدولة مما أسفر عن ازدياد النزاعات الداخلية المختلفة وهنا يمكن أن ندلَل على أسباب قيام جبهة تحرير ظفار التي تشبّع منظّروها بكافّة التيّارات التي كانت سائدة آنذاك على المستوى الدّولي ، إذْ رُغم الْعزلة التي كانت تعيشها عُمان لم يكن أناسُها بمعزل عمّا كان سائدا من أحداث فعلت فعلها في بلورة الفكر الثوري ويمكن رد الأسباب المكوّنة للنّزاعات الدّاخلية إلى ثلاثةِ مصادرَ أو مجالاتٍ متمايزة، و لكنّها متداخلةٌ في الوقتِ ذاته وهي:

– البِنية المجتمعيّة

– الْوضع الاقتصاديّ

– الوضع السّياســـيّ

إنّه حريٌّ بنَا أنْ نأتي بإيجاز على إرهاصات تلك الفترة التي بلورت الفكر الثوريّ والتي دفعت بأناس على أن يتبنّوا معالمه بصور متفاوتة كالمغفور له بإذن الله سالم بن مبارك المعشني ، إذ شكّل غياب التّجانس المجتمعيّ في كثير من الدّول بيئة خِصْبةً لنموّ النّزاعات خاصّة كما أنّ السّلطة السّياسيّة لم تعملْ على محاولة إقامة اندماج وطنيّ، فحدثتْ انقسامات حادّة نتيجة وجودِ إخلالات في السّياسات أدّى إلى غياب ما يُعرف بالإجماع الوطنيّ حول نَسق القيم والرّموز الأساسيّة في المجتمع ، فَوُجدت أنساق قيمية مختلفة يعبر عنها أحياناً بالولاءات المختلفة و أحياناً أخرى بالمتناقضاتِ… الشيء الذي أسهم في إيجاد النّزاعات وإذكائِها ، فلقد عرّف هارولد لاسويل وهو عالم اِجتماعي أمريكي درس تأثير أجهزة الإعلام على تكوين الرّأي العامّ (عرّف) النّزاع الاجتماعيّ “بأنّهُ نتاج عن اِتّباع جماعات بشكل واع لأهداف وقيم مختلفة” وما يفجّر النزاع أو يزيد منْ حدّته وجودُ عقائد تعبر عن هذه الاختلافات في عدّة نُسُق قيميّة تعمل كوسيلة للتّعبئة السّياسية و للتّعبير عن ولاءات قد تكونُ من نوع ما تحت الدولة sub state أو عبر الدولةtrans state لجماعات قد تطالب بنوع من حقّ تقرير المصير أو تعتبر أنّها تنتمي إِلى دولة أخرى ،كما رأى” مازيني وهو فيلسوف وسياسيّ وماسونيّ إيطاليّ لُقّب بـ روح إيطاليّا ” (رأى) أنّه لو كان لكلِّ هُوّية وطنيّة تعبيرٌ عن ذاتها في دولة قوميّة لأسهمَ ذلك بشكل كبير في إزالة أسباب الحروب ، فحقّ تقرير المصير الوطني هو الطّريق للسّلام حسْبَ مازيني.
وتندرج في هذا الإطار مشاكل منها عدم قدرة السلطة السّياسية على النّجاح في مشروع الانصهار الوطنيّ وقد تنشأ النزاعات نتيجة بنية السلطة السّياسية وسلوكياتها كازدياد القمع وغياب قنوات التّعبير الديمقراطي أو كنتيجة فشل ذريع للسّلطة في سياسات معينة قد تكون لها نتائج سلبية كبيرة وكلُّ هذه العوامل مجتمعة تُفقِد السلطة شرعيتها أو تُضعف تلك الشرعيّة ممّا يشجّع على اللّجوء إلى العنف الفرديّ و المنظّم لاحقا بُغية التغيير وغنيٌّ عن القول إنّ انعدام الاستقرار أو وجود تمخّضات قويّة في دولة قد يشجّع الدّول المجاورة أو القوى الإقليميّة والدوليّة على التدخّل المباشر أو غير المباشر مما يُسهم بتصعيد النّزاع و تحويله من نزاع داخلي إلى إقليميٍ أو دولي وفي هذا المُناخ المتلاطِمِ أمواجُهُ نشأ ابن مبارك الْمعشني الذي نهل من طبيعة الأفكار التي كانت سائدة ولم يكن غافلا عمّا كان عليه العالم من صراعات آنذاك ، كما كان واعيّا بخصوصياتها رُغم أنَّ الكثير من أصحابه حاولوا النّسج على منوالِ ثورات كثيرةٍ وتجاربَ عدَّة كالتّجربة الاشتراكيّة التِي تشكّلت ملامحُها في آسيا وفِي أوروبا وأمريكا اللاتينية وقد تبنّى الْكثير طبيعة الأفكار التي كانت منتشرة دون وعي فاِصطدموا بطبيعة واقعٍ لا يقبلُ تلك القوالبَ الْجاهزة.

يشير مصطلح الاشتراكية الثوريّة إلى الاتّجاهات الاشتراكيّة التي تدعو إلى التّغيير الاجتماعيّ من خلال ثورة من قبل الحركاتِ الجماهيريَة للطّبقة العاملة، كاستراتيجيّةٍ للوصُول إلى المجتمع الاشتراكيّ ويُستخدمُ هذَا الْمصطلحُ مِنْ قبلِ التيّارات الاشتراكيّة والشيوعيّة لوصف الاتّجاه المقابل للديموقراطية الاشتراكيّة(الإصلاحيّة) التِي تدعُو إلى التّغيّير التّدريجيّ كوسيلة لتحقيق الاشتراكيّة أو على الأقلّ تخفيف الرّأسماليّة، وبما أنّ الإشتراكية تؤمن بمشاركةِ اْلجماهير، فهي على النّقيض أيضاً من البلانكية وهي تيّار في الحركة الاشتراكيَة الفرنسيَة الذي ترأّسه لويس أوغوست بلانكي أحدُ ممثَلي الشيوعيّة الطوبويّة الفرنسيّة البارزين و كان البلانكيون ينتظرون ” خلاص البشرية من عبودية العمل المأجور لا عنْ طريق نضال البروليتاريَا الطّبقي ، بل عن طريق مؤامرة كما يراها لينين تعدّها أقلّية غير كبيرة من المثقّفين” و قدِ استعاض الْبلانكيون عن نشاط الحزب الثوري بنشاط جماعة سرّية من المتآمرين وأهملوا الارتباط بالجماهير التي تؤمن بمشاركة جماعة ثوريّة محدودة منظّمة ومدرّبة تقوم بالتّغيير ورغم كلّ هذه التناقضات انجذب عدد من الناس إلى مثل هذه التيارات الثورية بحثا عن الخلاص من الظلم والتسلّط ومن كلّ عوامل الحيف الاجتماعي … وقد وجد المرحوم سالم بن مبارك المعشني نفسه في خِضَمّ هذه التيارات .

سالم بن مبارك المعشني والصراع الثوري:

لم يكن المرحوم ابن مبارك رُغم ثوريته بعيدا عما آلت إليه ثورة يوليّو المصريّة منذ ولادتها, التي بدأت وطنية مصريّة حتّى ربيع 1955 بعد أنْ أنجزت اتفاقيّة الْجلاءِ في خريف 1954 مما عجّل وُلُوجَ عبد النّاصر الطّريقَ القوميّ التقدميّ, , لكن الْعثراتِ التي واجهته كثيرة منها أنه أعلن قراراته الاشتراكيّة واعتمدَ في تطبيقها على الضّبّاط والرأسماليّين, فكانت الأخطاء في التّطبيق, ثمّ جاءت هزيمة 1967 التي أوقفت الخُطط الاقتصاديّة ورفعتْ شعار كلّ شيء من أجل المعركة ولقد أدرك المرحوم سالم بن مبارك المعشني ببصيرته أنّ اشتراكيّة عبد النّاصر عانت من غياب الدّيمقراطية شأنُها شأنُ الاشتراكياتِ الأخرى وذاكَ مرض عُضال عانت منه كل الأنظمة الاشتراكيّة سواء في الصّين أو في الدولِ التي تسمى اشتراكيّة أو فِي الاتحاد السوفيتي نفسه وَكان من الطبيعي أن تُغتالَ التّجربةُ النّاصريّةُ بسببِ غياب الدّيمقراطية وكما اُغتيلتِ التجربةُ الاشتراكية في دول شرق أوربا والاتَحاد السوفيتي للسبب نفسه وقد خَنَقَ الْغيابُ كلّ الأحزاب الاشتراكيّةِ ووسَّعَ الْمجالَ للمنافقين والمتسلِّقين للوصولِ إلى أعلى الْمناصب وكان هؤلاء يشكَلون قوّة طرد للعناصر النَبيلة بسببِ معاداة الثّوراتِ.

سالم بن مبارك المعشني واندلاع الثورة في الظفار:

تعدّ ثورة ظفار التي انطلقت عام 1965م في الجزء الجنوبي من سلطنة عمان واحدة من أطول الثورات العربية وربما تكون متزامنة مع ثورة الفارك في دولة كولومبيا ، حيث امتدت زهاء عشرة أعوام وقد واكبت حِقبة الثورات التَحرَريَة من الاستعمار العالمي التي شهدتها المنطقة العربية في الخمسينيات والستّينيات من القرن العشرين وتتعدد الأسباب التي أدّت الى قيام الثورة في ظفار على حكم السّلطان سعيد بن تيمور وكان من أهمّها كمَا أشرنا سابقا حالة التخلف التي سادت سلطنة مسقط وعمان بشكل عام وإقليم ظفار بشكل خاصّ ، الأمر الذي جعلَ عُمان معزولة عن الْعالمِ الخارجي والْمحيط الإقليميّ، ناهيك عن العزلة الداخليّة بين مناطقِ السلطنة ذاتِها، إلا أَنَّ الأوضاعَ التي عاشتها المنطقةُ آنذاك وانتشارَ المدِّ القوميِّ العربيِّ بزعامة جمال عبد الناَصر أدَّيَا إِلى تأثُّرِ أبناء الأمَة العربيّة ومن ضمنهم الظّفاريون بأفكار القوميّة العربيّة المناديّة بالوحدة والتّحررِ مِنَ الاستعمار ومقاومته بشتّى الوسائل، ممّا ولّد لدَى الظفاريّين النّزعة نحو الثّورة ضِدَّ الوجود البريطانيِّ في عُمان.

كلّ هذه العوامل ساعدتْ على قيام الثَورة في ظفار التِي عمل الظفاريون على تنفيذها من خلال تشكيل تنظيمات سرّية متعدّدة كانت لها دوافع وانتماءات مختلفة وفي ظل نسيج من تيّارات ثوريّة عدَةٍ تشبّع سالم بن مبارك فيها بكل إفرازات الواقع الذي عايش أحداثه وبما أنه كان يتمتّع بحس اجتماعي كبير استطاع أن يرسم من خلاله خطا واضحا في ظل تلك التجاذبات الفكرية حتّى في ظلّ إعلان الثورة عام 1965م وازداد الأمر وُضوحا بعد أن تلقّت الجبهة ضربة كبيرة بسبب توقّفِ الملك فيصل بن عبدالعزيز ملكِ المملكة العربية السعودية عن دعم الجبهة لتخوّفه من الأهداف الثوريّة لِلجبهة على أنظمةِ الْحكمِ الوراثيّة المحافظة في الخليجِ العربيّ وقد أعطت تلك الأحداث السلطانَ سعيد تفوقاً تكتيكياً و مساحة أكبَر لتنفسِ الصُّعداء.

يخطئ كثير من الْباحثين والمهتمين حين يقومون بالْخَلْطِ بين تلك السّاحتين وَحين يجعلون الساحتين ساحة واحدة وحين يحصرون الثورة في عمان، وفقط في ظفار! والْواقع أنّ ساحة الثّورة كانت في مجمل الخليج العربي كما عايشها المرحوم سالم من الكويت شمالاً حتّى عُمان جنوباً ويتجلّى ذلك في أحد شعارات الثورة: التي تمثّلت في شعار “ثورة شعبيّة من ضلكوت للشّامية!” ومعلوم أن ضلكوت مدينة في أقصى غرب ظفار بينما الشّامية في قلب الْكويت. ومن أبرز دلائل اتّساع ساحة الثورة هو الدور الذي أسهم بهِ الْبحرينيون والكويتيون في صنع أحداث الثّورة وقد اشتهر منهم عدد غير قليل على رأسهم الأستاذة الراحلة ليلى فخرو التي قيل إِنّها ألهمت صنع الله إبراهيم ليكتب رواية “وردة”.

أمّا ساحة القتال، أي مسرح العمليات العسكرية، فكان إقليم ظفار ذو الجبال الوعرة. الذي عانى أهاليُّهُ من الفقر الشديد والتخلف الذي فُرض عليهم.

لقد عايش سالم بن مبارك المعشني مباحثات تأسيس الجبهة في الكويت في ديسمبرمن عام 1964م بين ثلاثة تنظيمات هي: حركة القوميين العرب (فرع الخليج) والجمعية الخيرية الظفارية (المرتبطة بالإمام غالب الهنائي قائد ثورة الجبل الأخضر في عمان عام 1957) ومنظمة الجنود الظفاريين وهي منظّمة ضمّت في صفوفها الجنود العاملين في جيوش إمارات الخليج كقطر والبحرين والشارقة.

وفي السادس والعشرين منَ الشهر نفسهِ تمّ الاتفاق على إعلان جبهة تحرير ظفار باندماج تلك المنظمات الثلاثة وعُقِدَ المؤتمر التأسيسي الأول في (وادي غيض بعمان) بعد العودة إلى ظفار في الأول من يونيو 1965م وأعلن الكفاح المسلح في التاسع منه. وفي الكويت، صيغ بيان الثورة وأُعلن هناك. ومن الملاحظاتِ الجديرة بالذكرِ تلك التي قدمها الدكتور محمد العمري في كتابه “ظفار: الثورة في التاريخ العماني المعاصر” حول طبيعة تلك التنظيمات وأثرها في الكيان الموحّد.أنه ذكر أنّ حركة القوميين العرب وفّرت الإطار المثقّف والمؤدْلج، بينما أمّنتِ الجمعية الخيرية الظّفاريّة البعد الاِجتماعي عن طريق علاقاتها الواسعة بأبناء المنطقة في حينِ شكّلت منظمة الجنود الظفارية الغالبية الساحقة من مقاتلي الجبهة وقادتِها العسكريّين وبذلك اكتملت جوانب الكيان الموحّد. وقد تجاوب الأهالي بصورة كبيرة مع الثورة وأعلنوا ولاءهم لها واحتضنوها ممّا أدى إلى سرعة نموها وانتشارها بين القبائل والمزارعين وتمكنت جبهة تحرير ظفار من السيطرة على مساحات واسعة من ظفار سُميت في حينها بالمناطق المحرّرة…