التأصيل والتدليل لكتاب الكافي في فقه أهل المدينة

الوصف

كتابُ التأصيل والتدليل لكتاب الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبد البر النمري (المتوفي سنة 463 هجرية). فقه المُعاملات أنموذجًا

أصل هذا الكتاب:

أطروحة جامعية نال بها الباحث درجة الدكتوراة، بجامعة القاضي عيا- المغرب.

هذا الكتاب: 

القصد من هذا الكتاب هو إفادة من يقع بين يديه، حول منهج العلماء في تعاملهم مع النصوص الشرعيّة، والأدلّة الاجتهادية، كيف طبّقوها على القضايا الجزئية؛ واستخرجوا لها أحكاما فقهية.

فقد أراد المؤلف توضيح هذا المنهج؛ لا على طريقة كُتب الأصول التي أغلبها جرّدت مباحث هذا العلم عن الفروع؛ بل من خلال إلحاق مسائل الفقه بأدلتها التي وقع استنباطها منها؛ ومن شأن هذه الطريقة أن تقدّم ممارسة تطبيقية لهذا العلم ؛ وأن تكشف عن مدى استناد مسائل الفقه إلى الأدلّة ليسهل تصنيفها وترتيبها؛ إلى ما مستنده النصوص والأدلة الثابتة كالقرآن والسنة ؛ وإلى ما مستنده الأدلة المتغيّرة كالعرف مثلاً.

أهمية الموضوع :

هذه الدراسة تؤسّس لقضيّة مهمّة في الفقه الإسلامي عموما ، وفي المذهب المالكي خصوصا ، فموضوع التّأصيل والتّدليل للمسائل الفقهية جدير بالبحث والدراسة ، لبالغ أهميته ، وكبير قيمته ، فهو يساعد على فهم الأسس العلمية التي يقوم عليها الفقه الإسلامي ، وفهم الطرق والمسالك المتّبعة في استنباط الأحكام الشرعية ، ليكون السبيل واضحا في الردّ على كلّ مغرض لدين الله تعالى ، متّهم لعلمائنا الأجلاّء بالقصور في الفهم ، لعدم إدراجهم الأدلة الشرعية التي استمدّوا منها تلك الأحكام ، وهذا جهل مركّب منهم ، لأن معظم الفقهاء الذين لم يذكروا الأدلّة التي اعتمدها أئمّة المذاهب ، ليس لجهلهم بالدليل الأصلي ؛ ولكن لثقتهم بأئمّتهم الذين دوّنوا الفروع؛ فثقتهم بهم وهم جديرون بها جعلتهم لا يحتاجون للبحث عن أيّ دليل ؛ مثلهم في ذلك مثل بعض التابعين في الحديث المرسل ؛ يرسلون الحديث لثقتهم بالصحابي الذي رووه عنه.

أسباب اختيار الموضوع

لقد كان من أسباب انكبابي على هذا الموضوع الوقوف على أهميته، فعزو الأدلة إلى مظانّها
يُكسِب طالب العلم مَلكة فقهية ، تنصهر فيها روحه بروح الشريعة ، بالإضافة إلى عدم وجود دراسة
سابقة حسب علمي المتواضع في الموضوع ، من حيث التأصيل والتدليل لكتاب ” الكافي في فقه أهل المدينة المالكي ” للحافظ ابن عبد البرّ ، ومن الأسباب كذلك محاولة تحرير المسائل وتحقيق الخلاف فيها ، مع
الاعتناء بالاستدلال وخاصّة النقلي ، وكذلك المساهمة في خدمة المذهب المالكي بتدليل و تأصيل هذا
الكتاب ، و إبراز المجهودات التي قام بها علماء المالكية لخدمة الفقه المالكي خاصّة ؛ والفقه الإسلامي عامّة ، ولا يفوتني سبب آخر كان وراء اختيار هذا الموضوع ، ويتمثّل في ثناء العلماء على مؤلّف الكتاب ، ومكانته العلمية .
إشكالية البحث
إن الإشكالية التي يطرحها هذا البحث نابعة من طبيعة الموضوع الذي أحاول تغطية مضامينه ، والتي جاءت كالتالي : ما هو مفهوم التّأصيل والتّدليل للمسائل الفقهية ؟ وكيف وظّفوه في استنباطاتهم
الفقهية ؟وما هي أهمية التأصيل والتدليل للأحكام الشرعية العملية ؟ وما مدى انعكاس ذلك على الدراسات
والبحوث التي عنيت برط الحكم الشرعي بالدليل ؟ثم ما موقع التأصيل والتدليل في المذهب المالكي ؟وهل
كان لفقهاء المالكية عناية بهذا الجانب المهمّ في دراساتهم الفقهية ؟ وما هي إسهاماتهم في هذا المجال ؟ وهل
كان هناك منهج واضح المعالم سار عليه فقهاء المالكية في عمليّة التّأصيل والتّدليل ؟

الدراسات السابقة :

لقد تعرّض لتدليل وتأصيل الأحكام الشرعية البعض من علماء المالكية ، كابن رشد الحفيد ، في كتابه ” بداية المجتهد ونهاية المقتصد ” ؛ فإنه كتاب مهمّ تعرّض فيه لأدلّة المذاهب وأسباب الخلاف بينها ؛ ولكن لم يستوعب الكثير من المذهب في فقه المعاملات .
ولا ننسى شرح محمد بن أحمد الملقّب بالدّاه الشنقيطي الموريتاني ؛ في شرحه على الرّسالة المسمّى ” الفتح الرباني ” ؛ فقد جلب فيه الكثير من الأدلة الأصلية ؛ وأقوال المذاهب الأربعة في سائر أبوابه ، لكنه لم يذكر القواعد الأصولية والفقهية التي اعتمدها المالكية في استنباطاتهم الفقهية .
وكذلك شرح الرّسالة للعلاّمة أحمد بن محمد الصدّيق المغربي ؛ المسمّى ” مسالك الدّلالة في شرح متن الرّسالة ” ؛ فقد شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني بالدليل ؛ وأفاد وأجاد ، إلاّ أن الرّسالة لم تستوعب الكثير من المذهب في باب المعاملات .
ومثل كتاب ” مواهب الجليل من أدلّة خليل ” ؛ تأليف : الشيخ أحمد بن أحمد المختار الجنكي الشنقيطي ؛ فقد قدّم مجهودا كبيرا ؛ وحاول فيه محاولة عظيمة ؛ وقام فيه بخدمة جليلة دلّل الأدلة الأصلية والتبعية على مسائل مختصر خليل ، إلاّ أن صاحب الكتاب فاته الكثير من الأدلة والقواعد الأصولية والفقهية في باب المعاملات ، والتي كانت سبيلا للفقهاء للوصول إلى الحكم الشرعي ، كما أنه في كثير من المواطن لم يذكر مذاهب الفقهاء في المسائل الخلافية .

وهذه الدراسة أحاول من خلالها إتمام البناء الذي بدأه علماءنا الأفاضل، وسدّ الثغرات التي وقفت عليها لمن ألَف في تدليل وتأصيل الأحكام الشرعية، من خلال تجاوز تلك النقائص عن طريق ربط الحكم الشرعي بدليله وتأصيل، وذلك من خلال الاطّلاع على كتب الأصول والقواعد الفقهية، مع ذكر أقوال المذاهب، وترجيح أقواها دليلاً وأمتنها تأصيلاً ، خاصّة وأن كتاب ” الكافي في فقه أهل المدينة المالكي ” لم يسبق لأحد أن قام بتأصيل وتدليل مسائله الفقهية حسب علمي المتواضع.